بدأ البابا ليو أول زيارة خارجية له منذ انتخابه، في جولة تشمل تركيا أولًا ثم لبنان، وهي جولة تعد من أكثر التحركات الدبلوماسية والدينية أهمية خلال العام، خاصة أنها تأتي في وقت يشهد الشرق الأوسط تغيرات سياسية وتوترات إقليمية معقدة. الزيارة تحمل رسائل واضحة حول الحوار بين الأديان، ودعم المجتمعات المسيحية، والبحث عن مسارات جديدة للسلام في منطقة تمثل أحد أكثر مناطق العالم اضطرابًا.
تبدأ رحلة البابا في تركيا من 27 إلى 30 نوفمبر، حيث يلتقي بالبطريرك برثلماوس، زعيم المسيحيين الأرثوذكس. اللقاء يحمل رمزية كبيرة نظرًا لتاريخ العلاقة بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، وهو ما يراه مراقبون خطوة جديدة لإذابة الجليد بين الطرفين وتعزيز الحوار الروحي. كما سيزور البابا عددًا من الشخصيات السياسية التركية، في محاولة لتقوية العلاقات بين الفاتيكان وأنقرة، خاصة في ظل الملفات الإقليمية الشائكة التي تشمل الوضع في سوريا والعراق والعلاقات بين تركيا والدول الأوروبية.
أما المحطة الثانية فتأتي في لبنان، البلد الذي يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة. سيصل البابا في نهاية نوفمبر، ليبدأ سلسلة لقاءات مع مسؤولين لبنانيين وزعماء دينيين، بالإضافة إلى إقامة قداس كبير على شاطئ بيروت، في خطوة تحمل بُعدًا إنسانيًا عميقًا، خاصة مع اقتراب الذكرى السنوية لانفجار مرفأ بيروت الذي خلف جروحًا عميقة لم تلتئم بعد.
ويركز البابا خلال زيارته على دعم المسيحيين في لبنان، والذين يعيشون حالة من القلق نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وهجرة الشباب. كما يسعى لإيصال رسالة واضحة بأن لبنان يشكل نموذجًا للتعايش بين الأديان، وأن الحفاظ عليه ضرورة للمنطقة بأكملها.
وتحمل الزيارة أيضًا دلالات سياسية مهمة، إذ تأتي في وقت يشهد تقاربًا دوليًا تجاه خفض التوترات في الشرق الأوسط. ويعتبر مراقبون أن الفاتيكان يحاول استعادة دوره في الوساطة الإنسانية والدبلوماسية، بعد أن أصبحت المنطقة ساحة لتغيرات كبرى تشمل النزاعات المسلحة، والتهديدات الأمنية، وصعود التيارات المتشددة.
كما ينظر كثيرون للزيارة باعتبارها خطوة تعزز حضور الكنيسة الكاثوليكية في منطقة ذات أهمية تاريخية وروحية، خاصة أن تركيا ولبنان يشكلان مركزين أساسيين للحوار بين الديانات السماوية.
في النهاية، تُعد جولة البابا ليو أكثر من مجرد زيارة دينية؛ فهي تحرك استراتيجي يعكس رغبة حقيقية في دعم الاستقرار وبناء الجسور بين الشعوب والطوائف. وبين تركيا التي تمثل بوابة الشرق، ولبنان الذي يمثل رمزًا للتنوع، يسعى البابا لإعادة التأكيد على دور السلام في عالم تتزايد فيه الانقسامات.