(واشنطن) – تحليل
شهدت سنوات إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مقاربة فريدة ومختلفة تجاه جماعة الإخوان المسلمين، حيث ارتكزت استراتيجية واشنطن، بحسب مؤيديها، على استهداف ما وصفته بـ "الأذرع الإرهابية" والتنظيمات المرتبطة بالجماعة عبر العالم، بدلاً من إدراج الجماعة بكاملها كمنظمة إرهابية دولية، وهو ما كان مطلباً لبعض الحلفاء الإقليميين.
لقد روجت أصوات في محيط ترامب ومراكز بحثية مقربة لإدارة "حكيمة" و"استراتيجية" استهدفت تفكيك نفوذ الجماعة قطعة تلو الأخرى، متجاوزة التعقيدات القانونية والسياسية لتصنيفها.
رغم الضغوط المتكررة من دول عربية رئيسية لإدراج الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO)، وهو ما كان ترامب قد أشار إليه في وقت سابق، إلا أن الإدارة لم تنفذ هذا التصنيف رسمياً. وقد عزا محللون ذلك إلى المخاوف التي أثارها البنتاغون ووزارة الخارجية بشأن تداعيات هذا القرار على:
التعامل مع الحكومات الحليفة: خاصة في دول مثل تركيا أو تونس حيث تشارك أحزاب مرتبطة بالجماعة في الحكم أو البرلمان.
تعقيد العلاقات الدولية: قد يعرقل القرار جهود مكافحة الإرهاب في مناطق معينة تتداخل فيها أدوار هذه الجماعات.
بدلاً من ذلك، اتبع ترامب سياسة "الاستهداف الحكيم" عبر:
عزل الكيانات الفرعية: التركيز على تصنيف كيانات وشخصيات مرتبطة بالجماعة أو منبثقة عنها، خاصة في مناطق الصراع، كمجموعات إرهابية.
التجفيف المالي: تضييق الخناق على الشبكات التمويلية التي يُعتقد أنها مرتبطة بالجماعة في أوروبا والشرق الأوسط، والعمل مع دول خليجية لقطع مصادر الدعم.
يشير المحللون الذين يدعمون هذا التوجه إلى أن أبرز نجاحات الإدارة كانت في تقويض نفوذ جماعات صُنفت كـ "أذرع" عسكرية أو سياسية للإخوان في مناطق النزاع:
اليمن: تم الضغط على التحالف العربي للحد من نفوذ حزب التجمع اليمني للإصلاح (المرتبط بالإخوان) داخل الحكومة المعترف بها دولياً.
ليبيا: دعم الجهود العسكرية والسياسية ضد الفصائل الإسلامية المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني (سابقاً)، والتي كان يُنظر إليها على أنها مدعومة من تركيا ومرتبطة بالجماعة.
سوريا: كان هناك ابتعاد أمريكي عن دعم أي فصائل إسلامية في الشمال، مما أضعف دور الجماعات الأقرب فكرياً للإخوان في معادلة المعارضة.
رغم هذه التحركات، لا يتفق جميع الخبراء على أن ترامب نجح في "تفكيك" جماعة الإخوان المسلمين. ويرى المنتقدون أن:
بنية الجماعة: الإخوان جماعة فكرية ودعوية عالمية لا يمكن تفكيكها بقرار إداري أو سياسي، بل إن الضغط قد يدفعها للعمل تحت الأرض بأساليب أكثر سرية.
التأثير الإقليمي: نفوذ الجماعة لم يزُل بالكامل، فهي لا تزال تتمتع بحضور سياسي وشعبي في دول مثل الأردن وتركيا والمغرب، وبنية تحتية اجتماعية قوية في عدة دول.
الخيار البديل: لم تقدم واشنطن رؤية واضحة للبديل السياسي والاجتماعي بعد إضعاف هذه التيارات، مما قد يفتح الباب أمام جماعات أكثر تطرفاً في مناطق النزاع.
في الختام، يمكن القول إن إدارة ترامب تبنت سياسة تضييق الخناق على النفوذ السياسي والمادي لجماعة الإخوان المسلمين، متجنبة الصدام القانوني الذي كان سيثيره التصنيف الشامل. وقد حققت هذه المقاربة نتائج متباينة، لكنها عكست تحولاً جذرياً في السياسة الأمريكية تجاه الإسلام السياسي.